المتابع لتصريحات ولد عبدالعزيز يلاحظ مدى الإرتباك في هذه الحملة الأحادية، التهجم على غرفة برلمانية عريقة، مجلس الشيوخ، وبسبب بسيط، أنهم لم يوافقوا على حلَهم و إجازة التغييرات الدستورية التعسفية.
تم التهجم المباشر على مجلس الشيوخ، وقيل إنه مصدر معاناة للوطن كله. حيث أصبحت ساحة الحرب الأولى بالنسبة لعزيز، مجلس الشيوخ بوجه خاص وفرض التعديلات الدستورية المثيرة مع التهجم شبه الشخصي على المعارضة، والتقليل من شأن الإعلام المعاصر والحر، بوصف الأنترنت بأنها لا فائدة فيها، ومع الإشارة لتغيير دستوري مرتقب ،من خلال ما يسرب من توجيهات مدير حملته في نواكشوط، ولد اجاي المستفيد الأكبر، والمصفق الأكبر، حيث يلقن بعض مقربيه "قولوا إن المأمورية الثالثة أهم عندكم من كل شيء.." أما عزيز في هذا الشأن فلم يخف الرغبة في تغيير دستوري أخر، هذا بالإضافة إلى تصريحات ولد محم وولد الشيخ الناطق باسم الحكومة، في الدعوة الصريحة لإلغاء القفل الدستوري، بالنسبة لمنع تجاوز المأموريتين. إذن لقد بات لقد بات التخوف من الولوج في أجواء المأمورية الثالثة مشروعا بحق.إنها أجواء الفتنة العزيزية، عندما يهم بصراحة يوما ما من سنة 2019على الأرجع، بفرض مأمورية أخرى غير دستورية عن طريق تعديل دستوري، على مستوى الغرفة البرلمانية الوحيدة المتبقية، الجمعية الوطنية، وإن قبلوا ذلك ذهبوا إلى مزبلة التاريخ حتى لو تغلب الباطل على حساب الحق.
ماذا يريد ولد عبدالعزيز، هل يظن موريتانيا ملكا شخصيا إلى هذا الحد، يفعل ما يريد ويترك ما لايريد. إن هذه التعديلات الدستورية ينبغي أن لاتجاز، لأنها اقترحت في أجواء حكم عسكري استبدادي، وظرفية سياسية غير توافقية، ولو تم هذا التعديل الدستوري المتعسف، لسهل بعد ذلك العبث بموضوع منع المأمورية الثالثة، ليتحول البلد إلى أجواء قابلة لتدبير انقلاب آخر، بحجة عدم الإستقرار، ولأن الكثيرين لو صمتوا على فرض التعديل الدستوري الراهن، وخصوصا في صفوف المعارضة الراديكالية، فلن يصبروا البتة على عبثية المأموريات المفتوحة،لأنها تعني ضمنيا موت الطابع الجمهوري للوطن، وتحوله إلى ملك شخصي صريح لشخص واحد، ووقتها سيطالب كلً قوم بنصيبهم، على منحى فوضوي محض. أجل نصيبهم من هذه "المشاريه" في مهب الريح لا قدر الله.
في أطارـ كملاحظة عابرة ـ لم نسمع حتى الآن كما حصل من قبل، عن الدعوة للمأمورية الثالثة، أما في مواطن أخرى، فقد أضحت الدعوة للمأمورية الثالثة أمرا شبه متواتر، واسع الإنتشار المقرف المقزز، للأسف البالغ.
أهل موريتانيا بعض نخبتهم لايفكرون في العواقب، فموريتانيا إن لم يمنع فيها الحكم المطلق الفوضوي ويشرع فيها بخطة تنموية جادة متوازنة منصفة ، فلن تدوم طويلا.
فالدولة تستقيم على الكفر أحيانا ولاتستقيم على الظلم والحقد والخصوصية الضارة المغيظة. وعزيز وجنده من المصفقين على عماية وغواية من أجل المصالح الضيقة، والشهوات والنزوات العابرة، قد يفرضون جوا مؤقتا، لكنه سيفضي حتما إلى ظلم عريض وتمرد عميق واسع مزمن، قد لا تبقى معه العافية مطلقا في هذه البقعة من المنكب البرزخي، فلم لا ينتهون ويتعقلون ولو لماما، قبل فوات الأوان؟!.
كل المؤشرات تدل على أجواء خلاف قادم قاتم، في حالة محاولة فرض المأمورية الثالثة، ببساطة لأن الكثيرين يرفضونها بقوة، وهودليل انقسام حقيقي، سيظهر ويتكرس سلبا على الوحدة الوطنية، في الوقت الذ سيصرَ فيه عزيز وأنباعه على هذه المؤامرة المرتقبة المخيفة على بقاء الوطن وتماسكه.
وقد بات هذا الخطر قاب قوسين أو أدنى، وإن لم نقل إن حملة المأموريات المفتوحة العبثية انطلقت فعليا، متوازية مع هذه الحملة الراهنة عبر دعوته الصريحات ل:"تحسينات" دستورية قادمة حسب ادعائه، فإن حملة فتح المأموريات العبثية ستنطلق حتما بعد تمرير التعديل الدستوري الراهن، وبصورة تدريجية مدروسة، ضمن سياسة تزاوج بين الترهيب والترغيب، وقد لاتخلو من إزهاق بعض الارواح والإنسداد السياسي العالي، والتصرفات الطائشة المتنوعة، ولحكم صعوبة التحكم في مثل هذه المسارات فقد تضيع على وجه راجح القاطرة الوطنية عن سكَة الإستقرار الهشَ أصلا، وهو ما يرجح باختصار أزمة سياسية خانقة مابين سنة 2018و2019 وتجاذب سياسي وأمني حاد بين الرافضين والمتملقين.
ولعل الهجوم والضرب المبرح لبعض رموز المعارضة قبل أيام قليلة، وتجاهل رأس النظام لما حصل دليل على أن القادم أعظم ودليل على مدى إصرار ولد عبدالعزيز على توصيل رسائل تخويفية، وترهيبية حقيقية، ولو ادعى البعض أنها غير مؤثرة في المحصلة، إلا أنها بداية مشروع أمني بوجه خاص، سينجلي مع مرور الوقت ضمن خطة قد يغلب فيها الترهيب على الترغيب، لتمرير المشروع المثير المتمثل في فرض المأمورية غير الدستورية في نظر البعض، وهو ما يدعو للقول اختصارا إن المنعطف القادم بعد تجاوز هذا التعديل الراهن قد يكون هو الرهان حول بقاء موريتانيا وطابعها الجمهوري، أو فسخ المشروع الوطني الجامع وانطلاق كل جزء حسب العرق والجهة لمحاولة إقامة كيانات تزيد من ضعف الضعيف أصلا وتعمق حالة التباغض والتباعد، الحاصلة تحت مظلة الدولة الحالية المهددة بالإنفصال.
فهل قَررالإنقلابي قاصر النظر محمد ولد عبدالعزيز وضع حدَ النهاية لموريتانيا مقابل فرض وتكريس شهوة البقاء في الحكم؟!.
يا أخانا لو دامت لغيرك ماوصلت إليك. اللهم خلَصنا من هذا المفتن بما شئت وكيف شئت، غير فاتنين ولا مفتونين.
اللهم سلم ..سلم. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وليعلم سائر الناعقين وراء الفتنة الداعين للمأمورية الثالثة، أنهم شركاء في هذا الإثم الواسع العريض، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ولنطلب الإصلاح عن طريق التصعيد السلمي المدروس المتوازن بدل العنف والمواجهة الفعلية، بين المسلم والمسلم، تفاديا للفتنة المحققة الراجحة، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
وليحذر بتعقل وحزم كل من موقعه من جرَ البلد إلى ساحة الدماء والإنقسامات والأحقاد العرقية والجهوية، التي ستكون محاولة ولد عبدالعزيز لفرض المأمورية الثالثة فرصة لها ل قدر الله. وقد قيل "حفظ الموجود ولا طلب المفقود".
فليقبل جزاه الله خيرا التنحي عند نهاية مأموريته المشكوك في مشروعيتها أصلا، وليرحل عنا غير مأسوف عليه، وليتركنا ندبر أمرنا التناوبي بمسؤولية وسلمية وتضامن ومحبة وتماسك ، عسى أن لايضيع مشروع الجمهورية الإسلامية الموريتانية في مهبَ الريح.
عبدالفتاح ولد اعبيدن، بقلم: عبدالفتاح ولد اعبيدن، كاتب صحفي