يُعبر القائمون على مراكز الدراسات و"خزانات التفكير" ومنابر الرأي ووسائل الإعلام السمعي البصري والإلكتروني والورقي عن معاناتهم المريرة والقاسية في سبيل تأمين استدامة إنعاش المشهد الفكري والسياسي والإعلامي.
و تعود تلك المعاناة إلي تحالف و"تمالئ" عوامل عديدة مادية ومعنوية أبرزها نقص جودة "العرض النخبوي" أو "عرض المُنْتَجِ الفكري والسياسي"، ذلك أن ما هو متوفر من العرض النخبوي المستعد والقادر علي الإنعاش الفكري الإيجابي كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة. !!
وتتحدث دوائر مراكز الدراسات وخزانات التفكير عن تأجيل وإلغاء العديد من الندوات والمحاضرات المبرمجة في خطط عملها السنوية بفعل العجز عن تعبئة ووجود الكفاءات الفكرية الوطنية المتخصصة الجامعة بين خَصْلَتَيْ الأهلية والاستعداد!!.
كما يُروي أن العديد من الوسائل الإعلامية الوطنية المرئية والمسموعة والمقروءة تلجأ دائما إلى إلغاء أو تجميد أو تأجيل بعض برامجها ونوافذها الأكثر تنويرا وإثارة وشهرة ومتابعة بفعل شح "خطوط الإمداد الفكرية والنخبوية"!!.
وفعلا فإن خط الإمداد والتموين والإنعاش الرئيسي لمنصات الفكر والرأي والإعلام عموما وفي بلادنا خصوصا هو رجال العلم وقادة الرأي و"قُرًاءُ" المستقبل القادرون على التفكير العَلِيمِ والتعبير القَوِيمِ والتًحْبِيرِ السًلِيمِ.
والملاحظ أن هذه الفئة من النخبة في بلادنا، باستثناء قلة قليلة قابضة علي الجمر، منقسمةٌ بين مُسْتَنْكِفٍ تَأَنُفًا وتَأَفُفًا ومُتَوَلٍ طَمَعًا وجَشَعًا ومُتَثَاقِلٍ عَطَلاً وكَسَلًا وأن المشهد الفكري والإعلامي والسياسي في غالبه يعيش "فَوْضَي عَقِيماً غير خلاقة" اختلط فيها نَابِلُ قليل الأفكار المفيدة الواضحة بِحَابِلِ كثير أخاليط و"أضغاث الأفكار" !!
فكم من قارئ رأي مقالا مُقَدًمًا بعنوان جذاب، مَنْفُوخٍ وأَخًاٍذ حتى إذا قرأه وجده ضربا من "أخاليط الأفكار" والأفكار المُهَلْهَلَةٌ والمتضاربة و"اللغة المريضة" وكما يقول الفرنسيون "قفز من الديك إلي الحمار"Passage du coq à l’âne وغُمً عليه التفريق بين المقدمة والخاتمة وبين الفكرة الرئيسة والأفكار المساندة وأعياه الخروج "ببنت فكرة واحدة." !!
وقد قص أحد النابهين أنه فَاتَتْهُ مشاهدة برنامج حواري تلفزيوني أعجبه موضوعه صياغةً ومُنَاسَبِيًةً فطلب من أحد عِلْيَةِ القوم علما وفهما ممن شاهدوا البرنامج الحواري المذكور من أوله إلى آخره أن يُلَخِصَ له الأفكار الرئيسة التي وردت على ألسنة ضيوف البرنامج فأجابه بأن البرنامج كان مجرد "أضغاث أفكار" وأنه عن تأويل أضغاث الأفكار من المتعففين. !!
وسبيلا إلى مواجهة ومحاصرة انتشار فوضى أضغاث الأفكار التي تغزو خزانات التفكير ووسائل الإعلام السمعي والبصري والمقروء ولم تسلم منها المنابر الخطابية الإسلامية ولا المدرجات الجامعية ولا أعمال اللجان الوزارية العليا!! ففي اعتقادي أنه يجب على أهل الاختصاص اتخاذ إجراءات تصحيحية وإصلاحية قد يكون من أوكدها:-
أولا: اسنتهاضُ همم "النخب الأصلية": ويقصد بذلك تصور جملة من الإجراءات تستنهض همم النخب الأصلية الحقيقية التي هي الآن في حالة أشبه ما تكون "بالبَيَاتِ الفِكْرِيِ" وذلك من أجل تحمل مسؤوليتها الأخلاقية اتجاه المجموعة الوطنية عبر المساهمة النشطة في النقاش العام حول أمهات مستعجلات القضايا الوطنية وعدم ترك الهم الفكري والسياسي العام "للنُخَبِ المَغْشُوَشَةِ" التي لا تنتج إلا أخاليط وأضغاث الأفكار.
ثانيا: زيادةُ مخصصات التمويل العمومي للإعلام الحر ومراكز البحث: ويقترح في هذا الصدد اقتطاع نسبة 0.5% من المحاصيل الجمركية السنوية توجه لزيادة التحويلات المالية المخصصة لدعم وسائل الإعلام الحر ومراكز الدراسات والاستشراف وخزانات التفكير ومراكز البحث الجامعي سعيا إلى تنشيط المجال الفكري والمصالحة بين النخبة والمجتمع؛
ثالثا: تشجيعُ الإبداع والتميز العلمي: ويتعين في هذا الصدد إعداد سياسة وطنية متكاملة لتشجيع وتحريض التميز والإبداع والاختراع وأعلم أن بعض القطاعات الوزارية كوزارة التنمية والاقتصاد ووزارة المعادن والنفط ووزارة الثقافة تحوز مشاريع أفكار حول موضوع تشجيع الإبداع والاختراع لكن المطلوب والمرغوب هو إعداد سياسة وطنية متناغمة مشفوعة بخطط عمل وبرامج تمويلية حول موضوع الإبداع والاختراع تعيد لشنقيط ألقها وتميزها بلبوس حداثي متجدد!!